كوب قهوة
قصة قصيرة عنوان: اختلاف حيثيات للكاتبة هند ناصرِ

كوب قهوة

جلس راشد يطالعها من بعيد، كيف تمسك القلم، تلفه حول أصابعها بحركة خفيفة، تخفي شعرها المتسلل تحت الحجاب، تعدل النظارة، وتهم بالرسم، عيناها، آه عيناها، أيقظه أحمد من حلم يقظته الدافئ، سائلًا أياه حول الذي يفعله، تلعثم راشد في كلمة لا شيء، لينفجر أحمد ضاحكًا ومشيرًا بسببابته نحو الرسامة، إذ وإثناء إحضاره كوب القهوة الساخن، انتبه إلى صديقه راشد سارحًا في شيء ما أمامه، ليراها، ويقرر أن يمازح صديقه حولها.

أنهمكت هناء في رسمتها المعضلة، فهو واجب الأستاذ لهذا الأسبوع، وهي لم تنجز منه سوى بياض الورق، وآن لها الآن أن ترسم، الواجب، هو رسم كوب قهوة، نعم كوب قهوة فقط، لكنه حدد الواجب بشكل أدق، ليخبرهم بأنه يريد انعكاس هذا الكوب، بشكل حقيقي 100%، في محاولة منه لتعليم الطلاب فن التصوير، ولكن على الورق!

يرن الهاتف، تجيب هناء صديقتها دعاء، لا، تجيب بأنها لم ترسم سوى ظلال كوب قهوة، هي؟ تجيب بأنها رسمت، بل عفوًا شات جي بي تي رسم عنها وطبع! وستريه للأستاذ، تخبرها هناء بأنها تفضل الرسوب على الاستعانة بشيء ما! حاولت دعاء إخبارها بأن الوصف والكلمات هي السر، وما سيرسمه لها شات جي بي تي لن يكون كما هو الحال في رسمتها، ولكنها آبت.

أغلقت الخط، عادت لترسم، تمزق ورقة، وأخرى، وقبل أن تمزق الثالثة، فاجأها صوت راشد، ألقى التحية، ردته إياها، يخبرها بتلعثم المحرج أن هذا القلم لها، أسقطته بالقرب منه عند حملها لكوب قهوة، ااه، أخبرته بأنها تحمل الكثير منه، وفي كل مرة لا يبقى منه سوى واحد أو اثنين، أجابها بأن سبب ذلك حركة أصابعها البهلوانية حول القلم، بان على وجهها التعجب، أدركها بأنه انتبه إلى حركة أصابعها حول القلم، اها، حسنًا، شكرته، تنبه إلى أنه يجب أن يذهب، سألها مباغتًا، أنت رسامة، نعم، يستأذن ليرى ما ترسم، مزقتها، يسأل عن ما تعجز عن رسمه، كوب قهوة، يطلب الإذن بالمساعدة، يمسك القلم بيده اليسرى، ويشرع بالرسم، كوب القهوة أمامه، خطوط أساسية لا تكاد ترى، وأخرى أغمق، ظلال، خطوط أساسية أخرى للظلال، درجات أفتح وأخرى أغمق، انتهى.

وقفت هنا واجمة، تخبره بأنها يستهزئ بها، وأن هذا رسم بسيط ليس هو ما تبحث عنه منذ الصباح، شكرته على مساعدته غير النافعة، وطلبت منه الرحيل، أخبرها بإن هذا هو المطلوب، القدرة على إتقان فن الظلال، والخطوط الأساسية للرسم، وبإن هذا الواجب، قد خاض فيه سابقًا، وكان هذا هو الجواب الحقيقي، وحين هم بالرحيل، استوقفته سائلة عن اسم الأستاذ الذي طلب منه هذا الواجب، أجاب بأنه الأستاذ مهند من كلية العمارة في جامعة عمان، ذهلت هناء بأنه أستاذها نفسه، لتعلم لاحقًا بإنهما هي وراشد طالبا كلية العمارة في ذات الجامعة، إلا أنه يكبرها بسنتين، وأن الأستاذ مهند يعيد نفس السؤال على جميع طلابه كي يتعلموا أهمية الظلال في تصاميمهم لاحقًا.

في طريق العودة، يغمز أحمد راشد ويغطي ضحكته الهوجاء تحت ظل ابتسامةٍ مكبوتة، إذ أن هيام صديقه راشد في الفتاة بدأ حقًا الآن.

هند ناصر Hind Naser

Leave your thought here

Your email address will not be published.