مشكلة سقراط
طاولة، روادها خمسة أشخاص، عزيز، غنى، وائل، هند، وحسام، الحديث؛ سقراط، السؤال؟ كيف أصبح سقراط مشكلة؟
دون أن يكتب حرفًا واحدًا، بل تلميذه أفلاطون هو من حدث عنه، في كلاسيكياته وفلسفاته، عازيًا نمط تفكيره الفلسفي إلى معلمه سقراط، منتهجًا حوار السؤال والجواب ذاته.
قاد عزيز دفة الحوار مشيرًا إلى أن سقراط هو وجهة نظر، تنم عن شخص يهوى الكلام كثيرًا، ويفضل أن يفرض نفسه على أن يُفرض عليه حرف، مستهزئًا عزيز في النهاية؛ بإن سقراط مسكين، وبأنه غارق في أوهام فلسفية ترتبط بالواقع عبر خيط رفيع، يستطيع زميله حسام أن يقطعه بأصبعه الصغير، دون حتى أن يحركه.
غنى كان لها رأي آخر، فهي ترى أن مشكلة سقراط بحد ذاتها قائمة بالفعل، وهو يتحدث حقًا عن قصة شائكة، فيها شخصيات وأحداث وأزمنة وأمكنة، إلا أنها بعيدة كل البعد، عن ما هو حقيقي، بل هي فلسفة مرتبطة بقصة آدبية حزينة، تخلو من البهارات على حد قولها، وتكشف الستار عن شخص مفتون بحصيلته العلمية التي جمعها مع بنات أفكاره دون أي مرجعٍ ناقد.
وائل لازال غارقًا في صمته، فخلال الحوار القائم بين عزيز وغنى، كان هو يسترسل في تفاصيل مشكلة سقراط، ويجد فيها متعة استثنائية، إذ وجد خلال سؤال وجواب سقراط؛ دراما لذيذة، وتفاصيل قصة أدبية خلابة، ولكنه كان مصدومًا بما آلت له القصة، وكيف أنها انتهت فجأة، دون أية دلالات على هذه النهاية المقيتة.
أيقظته غنى من غفوته، مشيرةً إلى أنه دوره في الحديث على الطاولة المستديرة قد حان، أخبرهم وائل بإنه استلذ فيها وأعجبه سقراط وفكر سقراط وقصة سقراط، لكن آمله قد خاب في نهاية الأحداث، وأنه يتفق مع كلاهما، عزيز وغنى حول بإن سقراط هذا؛ مفتون بمفرداته ليس إلا.
حسام كان له رأي فلسفي بحت، فهو مطلع على هذا العالم بشكل كبير، ويعرف تفاصيله حق المعرفة، ليقول بإن سقراط إنسان عظيم، ويمتلك فلسفة لم يُحدث بها أحد من قبله، لكنه فشل في التعبير عنها، وحقق أفلاطون هذا الأمر، بحيث أنه نال الشهرة عن معلمه، وسجل اسمه في التاريخ نيابة عنه، أما عن قصته ومشكلته المتمثلة في السؤال والجواب؛ فهي جيدة، مكتملة الأركان، إلا أنها لا تعبر بالضرورة عن شيء ملموس، وهي بالتالي حقيقةً؛ محض أوهام.
حان دور هند، التي علق جمع من على الطاولة أبصارهم بها، منتظرين رأيها في سقراط ومشكلته، بدأت هند حديثها بأنهم لا بد من أن يدركوا حقيقة أن سقراط محض معلم، وذلك يعني حاجته البالغة إلى الحديث وإقناع أحدٍ ما بما يقول، متذرعًا بأنه يعلم، وبإن علمه يجب أن ينقل، وكان الناقل هو أفلاطون، الذي عرف العالم كله بنفسه أولًا، ثم بمعلمه سقراط لاحقًا، وإذا كان يجب تصنيف ذلك على كونه فشل أم نجاح، فهو برأيها نجاحٌ لأفلاطون، وفشل لسقراط، حيث أن فلسفة سقراط غير المفهومة، وكلامه الواهم، أثار في نفس أفلاطون الرغبة في معرفة المزيد، ودحض أقوال معلمه وفلسفته، فأصبح هو عظيمًا ذو شأن، وليس سقراط، وإنما سقراط في الحقيقة؛ اسم ارتبط بمشكلة، مشكلة سقراط.
لم تتمالك غنى نفسها وعلا صوتها ضاحكًا على ما قالته هند، مؤيدةً لها في كونه معلم مسكين، احتاج إلى مستمع لما يقوله من هراء، وكان المستمع هنا هو أفلاطون، ليبادر عزيز في قوله ضاحكًا أيضًا بإن حقيقة كونه معلم منذ البداية، كانت هي المشكلة والحل فعلًا.